عرض المقال
عيد ميلاد الفياجرا
2013-03-29 الجمعه
العالم يحتفل بعيد ميلاد الفياجرا الخامس عشر، يحتل هذا الخبر مانشيتات الجرائد العالمية وكافة نشرات الفضائيات، فى 27 مارس 1998 منذ خمس عشرة سنة سمح بتداول الفياجرا بعد أبحاث طبية مضنية كانت مثالاً رائعاً على منهج التفكير العلمى حتى فى الجنس بعدما ظل الجنس بعيداً عن معمل العلماء يحتكره الدجالون والعرافون والعطارون مدة طويلة، فهل تستحق الحبة الزرقاء كل هذا الاهتمام؟ نعم تستحق، فهناك نوعان من الأقراص غيّرا مسار وتاريخ العلاقة الجنسية على مرّ التاريخ، وأحدثا ثورة فى مفهوم الجنس نفسه كسلوك إنسانى واجتماعى؛ القرص الأول هو قرص منع الحمل، الذى استخدم على نطاق واسع فى بداية الستينات وفصل بين مفهومين كان الجميع قد تصور أنهما متلازمان وهما: الجنس والإنجاب، وبدأت العلاقة الجنسية تُمارس بين الأزواج دون خشية الإنجاب غير المرغوب، فزادت المتعة واختفى الفزع المصاحب للضيف الذى كان لا يستأذن، أما القرص الثانى فهو السيلدنافيل، أو ما أطلق عليه تجارياً «الفياجرا»، الذى صرّحت به إدارة الأدوية والغذاء الأمريكية فى السابع والعشرين من شهر مارس 1998، وكان ثانى الثورات فى عالم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، فلم يعد الجنس، أو العجز الجنسى، بشكل أدقّ، متروكاً للظروف، فقد أصبح الجنس إرادياً وبالأمر، وكأننا نضغط على مفتاح الكهرباء فيضىء المصباح. وكانت الثورة رداً على ثورة أخرى صرخ بها أكثر من 30 مليون أمريكى رفعوا لافتة (نحن عاجزون جنسياً ولا نفع لأدويتكم النفسية ووصفاتكم الغذائية التى تضحكون بها علينا). ودقّ ناقوس الخطر.. وكانت الصدفة التى خدمت نيوتن فى قانون جاذبيته وأسقطت التفاحة على رأسه هى نفس الصدفة التى خدمت أحد باحثى شركة (فايزر)، الذى كان يجرى تجارب على السيلدنافيل لمعرفة تأثيره فى علاج شرايين القلب والذبحة الصدرية عام 1992 وأصابه اليأس عندما فشل هذا الدواء فى علاج هذه الأعراض. وقبل أن يرفع راية الاستسلام لاحظ ملاحظة غريبة وهى أن المرضى عينة الدراسة يراوغون فى تسليم بقية الأقراص التى فى حوزتهم! وبالبحث والسؤال والتحرى اكتشفوا أن القلب أحياناً لا يهمّ إذا كانت دقاته تضيع سدى ولا تترجم إلى علاقة جنسية صحية، وأول شروط العلاقة بالطبع هى الانتصاب، وكان المفتاح السحرى لثورة الفياجرا هى نجاح هذه الأقراص التى فشلت من قبل فى علاج الذبحة، نجاحها فى علاج الضعف الجنسى، وارتفعت أسهم الشركة فى البورصة، فها هى تمتلك العصا السحرية الزرقاء التى كُتب منها مائتا ألف روشتة فى أول ثلاثة أسابيع من طرحها، ويمثل العجز الجنسى أو العِنة مشكلة كبيرة بالنسبة للمرضى والأطباء على السواء فهو بالنسبة للمريض فقدان لرمز فحولته، الذى تضخمت قيمته بفعل ثقافة المجتمع المحيط، التى تلخص الرجولة فى مجرد عضو تناسلى، أما بالنسبة للطبيب فهو متاهة تتعدد فيها الطرق وتتشعب فيها المسالك ما بين أسباب غامضة وعلاجات متباينة ونتائج لا تمنح على الدوام الإشباع النفسى الكامل، ولكى ندرك حجم المشكلة بالأرقام لا بد أن نعرف أن أكثر من عشرة ملايين أمريكى فى إحدى الإحصائيات فى ثمانينات القرن الماضى كانوا يعانون من العجز الجنسى وقد تمت متابعتهم من خلال أربعمائة ألف زيارة فى العيادات الخارجية فى ثلاثين ألف مستشفى بتكلفة علاج إجمالية قدرها مائة وستون مليون دولار!! وقد تضاعف هذا العدد الآن، أما عن الأرقام عندنا فى مصر فهى متروكة لتقديرات الخيال وتخمينات حسن النية تطبيقاً لقانون العيب ونظرية عدم نشر الغسيل القذر، ولكن بغض النظر عن الأرقام فهى مشكلة عندنا أضخم وأفدح من أمريكا و«مفيش حد أحسن من حد» وأعتقد أن هذه هى المسألة الوحيدة التى يتساوى فيها الجميع تحت مظلة النظام العالمى الجديد!